الكل ينظر إلى العدالة الاجتماعية من الناحية المالية فقط، ولكن العدالة الاجتماعية في الإسلام شيءٌ أكبر من سياسة المال؛ فكان من الواجب أن نكشف نظرة الإسلام الكاملة إلى هذه العدالة، وأن نستعرض طبيعتها وأسسها ووسائلها في محيطها الواسع، مع بيان بعض جوانب العدالة الاجتماعية في التاريخ الإسلامي.
هناك من يرى أن الدين هو علاقة بين العبد وربه، وأنه لا دخل للدين في العلاقات بين الناس ومشكلات الحياة، وسياسة الحكم، وسياسة المال؛ فهؤلاء يرون أن الدين لا يصلح للحياة. والحقيقة أن الإسلام لم يكن بعيدًا عن الحياة العملية، ولا يستطيع أن يكون في عزلة عن المجتمع، ولن يكون أهله مسلمين، وهم لا يُحكِّمُونَه في حياتهم العملية؛ فالإسلام هو العبودية لله وحده. والإسلام دين متكامل لا يتجزأ، والشعائر التعبدية ليست منفصلة عن المعاملات؛ فالصلاة – وهي من أخص الشعائر التعبدية – تعني المساواة بين الناس جميعًا في عبوديتهم لله. وليس هذا الذي نقوله عن الإسلام فهمًا جديدًا، وإنما هو الإسلام كما فهمه الرسول – صلى الله عليه وسلم – وكما فهمه أصحابه المخلصون له، وجاء في القرآن الكريم: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله".
كلنا يعلم كم تستغرق الصلاة المفروضة من الزمن في اليوم، فهو للعمل. وقت الصلاة نسبة ضئيلة في حياة الإنسان والمجتمع . وقد وجاء في موضع آخر: "وجعلنا الليل لباسًا ، وجعلنا النهار معاشًا "؛ لأن الغالب في النهار هو المعاش لا الشعائر التعبدية. وقد حدث على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسألون عن عبادته، فلما أُخْبِروا كأنهم تَقَالُّوهَا! قالوا: أين نحن من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد غُفِرَ له ماتقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليهم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أَمَا والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني"، ولم يكن ذلك من محمد – صلى الله عليه وسلم – استهانة بأمر الصوم أوالصلاة، ولكن إدراكًا لحقيقة هذا الدين، الذي يعمل للحياة كما يعمل للعقيدة؛ فلا يفصل الدين عن الحياة.
يقيم الإسلام العدالة الاجتماعية على أسس ثابتة. هذه الأسس هي: التحرر الوجداني المطلق، والمساواة الإنسانية الكاملة، والتكامل الاجتماعي الوثيق.
أولًا: التحرر الوجداني المطلق:
العدالة الاجتماعية لن تتحقق كاملة، ما لم تستند إلى شعور نفسي داخلي باستحقاق الفرد، وبحاجة الجماعة إلى هذه العدالة، وأنها تؤدي إلى طاعة الله وإلى واقع إنساني أفضل، وما لم تستند كذلك إلى واقع مادي يهيئ للفرد أن يتمسك بها، ويتحمل تكاليفها، ويدافع عنها. ولقد بدأ الإسلام بتحرير البشر من عبادة أحد غير الله، ومن الخضوع لأحد غير الله فما من أحد يميته أو يحييه إلا الله؛ فالله وحده هو الذي يستطيع، والكل سواه عبيد، لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم شيئًا. ويحرص الإسلام على هذا المعنى حرصًا شديدًا.
ولما كان الأنبياء أكثر عرضة لأن يتجه الناس إليهم بالعبادة، أو التقديس الذي يقترب من العبادة؛ فقد اهتم الإسلام بتحرير النفس البشرية من هذه الناحية تحريرًا كاملًا؛ فقال تعالى عن نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم –: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم"، كما يعرض صورة من صور اتباع العباد للعباد وأخذ الشرائع منهم؛ فيقول: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا الله إلهًا واحدًا لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون "، وهكذا يستمر الإسلام في تأكيد هذه العقيدة وتثبيتها؛ فلا وساطة بين العبد وربه، والإسلام حريص كل الحرص على تقوية الصلة المباشرة بين الله والعبد؛ فقد شَرَعَ الإسلام خمس صلوات، يقف فيها العبد كل يوم أمام ربه. فإذا تحرر الوجدان من شعور العبادة لعبد من عباد الله، وامتلأ بالشعور بأنه على اتصال كامل بالله، تحقق للإنسان عدالة اجتماعية مطلقة.
ثانيًا: المساواة الإنسانية: جاء الإسلام ليقرر وحدة الجنس البشري في المنشأ والمصير، وفي المحيا والممات، وفي الحقوق والواجبات أمام الله وأمام القانون، في الدنيا والآخرة، لا ميزان في ذلك إلا للعمل الصالح، ولا كرامة إلا للأتقى. ويؤكد القرآن الكريم على هذا المعنى في مواضع كثيرة؛ فيقول تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثم أنشأناه خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين "، ويؤكد الرسول – صلى الله عليه وسلم – على هذا المعنى أيضًا في حديثه: "أنتم بنو آدم، وآدم من تراب ". ولقد تبرأ الإسلام من العصبية القبلية والعنصرية؛ فبلغ بذلك مستوى لم تصل إليه الحضارة الغربية إلى يومنا هذا. وقد أوجد الإسلام مساواة تامة بين الرجل والمرأة؛ فيتساويان من الناحية الدينية، يقول تعالى: "ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا "، ويتساويان أيضًا من ناحية التصرف في المال، يقول تعالى: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ".
ثالثًا: التكافل الاجتماعي: والإسلام يقرّ مبدأ التكافل في كل صوره وأشكاله؛ فهناك التكافل بين الفرد وذاته، فهو مكلف أن ينهي نفسه عن شهواتها، وهناك تكافل بين الفرد وأسرته القريبة، ويقول تعالى: "وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ". وهناك تكافل بين الفرد والجماعة، وبين الجماعة والفرد، يُوجِب على كل منهما مسئوليات، ويرتب لكل منهما حقوقًا. والإسلام يبلغ في هذا التكافل حد التوحيد بين المصلحتين؛ فالأمة الإسلامية كلها جسد واحد، يحس إحساسًا واحدًا، وما يصيب عضوًا منه تتأثر به سائر الأعضاء، وعلى تلك الأسس الثلاثة تقوم العدالة الاجتماعية، وتتحقق العدالة الإنسانية.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان